مشكلة كبرى تواجه الفتاة في القرية وهي مشكلة "العنوسة" أن يفوت قطار الزواج هذه الفتاة فلا يدق بابها صغير ولا كبير والمسألة ليس لها معايير محددة قد تكون الفتاة جميلة لكنها فقيرة فمسألة الفقر غاية في الخطورة أللا تمتلك الفتاة طين بمعنى أرض، هذه الفتاة أمامها خيارات لكي تتزوج أن تكون فلاحة شاطرة تتعرف على أسرار الفلاحة، من زراعة أرز وغلة وتحش برسيم للبهائم، وتقود العربة الكارو، وتطهو الطعام، وترصه في صواني كبيرة في المآتم والأفراح.. فتلفت النظر إليها بأنها استعاضت عن الثراء بالشطارة، فالمرأة الأم في القرية تتدخل بشدة في اختيار العروس لابنها والويل كل الويل إن خالف أمرها في الاختيار.. فالعروس هي مسمار الدار لابد أن تكون على قدر من المهارة في إدارة شئون الغيط والدار والخيار الثاني أن تكون خياطة.. تمتلك ماكينة خياطه، لتخيط لأفراد الأسرة كبيراً وصغيراً فتوفر حق الخياطة، وهذا مكسب للأسرة، وخيار آخر.. أن تمتلك مشروعاً يدر عليها مكسب، كالتجارة والذهاب إلى السوق.. ومن هنا نشعر أن مجتمع القرية مجتمعاً مثمراً، منتجاً.. فالفلاحة تربي الكتاكيت والبط وكافة أنواع الدواجن وتبيعه وتحلب اللبن وتصنع القشدة والسمن والجبن وإن كانت في السنوات الأخيرة ترفعت عن تلك الأعمال لالتحاقها بالجامعة إلا أنها في السنوات الأخيرة عادت مجبرة بعد أن أصبحت تكاليف الحياة باهظة والرجل لا يجد وظيفة حكومة فسعى للعودة مرة أخرى باحثاً عن مهنة الأجداد.. يزرع، ويحصد، ويربي المواشي.. بدلاً من شظف العيش والديون ومعايرة الأهل..أم السعد كانت فتاة مثل أي فتاة في القرية تمتلك الجمال والأحلام الخائبة والعزوة الكبيرة تمتلك ستة قراريط ورثتهم عن أبيها ويطمع أخوها "عرفات" في أن تبقى أخته بلا زواج فيستردهم لأنها مقيمة معه في الدار.. ومتكفل بمصروفاتها فكانت المصلحة الأولى والأخيرة أن تظل أخته بلا رجل يأخذ منها الأرض فاشتعلت الحرب في الخفاء ضدها دون أن تدري وسألت نفسها كثيراً لماذا لا أتزوج إن مثيلاتي كلهن تزوجن.. وأنجبن.. إلا أنا لماذا..؟؟!! كانت أم السعد تصادقني وتحب أن تبقى معي في شقتي تضع الكحل والعطور وتطلب مني أن أعطيها أقمصة نومي القديمة كانت طيبة وساذجة وعلى نياتها ودايماً تسألني لماذا لا يأتي العريس وفي كل مرة أعطيها الإجابات ناقصة لسه ربنا ما أرادشي أنا أدامك لم أنجب كل واحد وليه بلوته، ولا يهمك ربنا يعدلها.. سألتها في إحدى المرات إنتي عندك كام سنه يا أم السعد قالت في أسى كتير يا أبله زيزي.. ييجي عشرين.. آني زميلة فادية بتاعتكم قلت: يا شيخة دنتي لسه صغيرة قالت في حسرة ليه؟؟!! دول كلهم خلفوا وعيالهم دخلوا المدرسة يالله مقدر أربي عيال أخويا وخلاص وانصرفت أم السعد وأنا أتعجب من أنانية الأخ الذي لا همه إلا نفسه وطمعه في قراريط بسيطة لو تنازل عنها لتزوجت هذه المسكينة الباحثة عن رفيق يؤنس وحدتها ويضيء ليلها بالأنس والبهجة إن المسكينة كثيراً ما أخبرتني أنها تحلم بأن ترتدي الفستان الأبيض والطرحة والعقد اللولي والأساور الدهب واللحاف الحرير والمفرش الستان والقلل الزجاج وأغاني البنات التي تدوي في العرس وتقول "يا القصر ما أسكنه كان حبيبي فيه.. يا الفرش دا ما أفرشه إلا وحبيبي فيه.. يا أمه اعمليلي منديل حرير أمسح دموعي.بيه." وهذه الأغنية بالذات تغنيها الفتاة التي تقف على باب الزواج ولا تستطيع الاقتراب لأنها عانس، لم يطلبها طالب للزواج وإذا كانت دموع البنات كثيرة فما أكثرها نزفاً حين تعنس وتفقد الأمل ويشيب شعرها وتتحور تداوير جسدها الزاهية إلى ذبول وأفول وتغيب في طي النسيان موضوعات كثيرة من العنف الإجباري تمارس ضد الفتاة والمرأة كأن تكون عاقراً أو عانساً أو حاملاً من جراء حب أو اغتصاب أو أرملة ويمسك بذيل جلبابها حفنة من الأبناء فترى كل ألوان العذاب وهي تربيهم واقفة على أعتاب البيوت تخدم وتغسل وتربي أطفال الغير، تركت أم السعد الباحثة عن عريس للأيام تبحث معها عنه وتنقلها من عالم الفتيات الأبيض إلى عام النساء الملون بأطياف الحب والزواج والطلاق والرجال الذين لا حمل لها بهم..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق