حين ترزق السماء تبسط لمن يشاء.. سنوات طويلة أجتر علقمها وأبكي تفيض روحي حزناً ومشاعري لوعة وقلمي يبكي دماً هو الآخر على حظي العاثر.. سنوات بلا بارقة أمل تلوح في سماء الأمومة كاد الحب يلقي بأحجارة الكريمة من زمرد ومرجان ولآلىء في مياه الترعة.. وزعت أحزاني في جرار البنات والنسوة العائدات من صنبور المياه النقي ليشرب الرجال والأطفال بدلاً من مياه الطلمبات التي تحتوي على مادة تصيب كل من في القرية بدء في كليته أو داء في كبده فوجت الرجال في القرية ذات وجوه سوداء بلون الطمي، وصحة خائرة، وكرش ممتد سألت ما هذا المرض قالوا استسقاء آثار بلهارسيا ومياه عكرة بطعم الموت.. شيء غريب..!! أين الثورة والمهتمين بمياه الشرب..!! أعجبني أحد أعضاء مجلس الشعب ثائراً ولاعناً وقال موجهاً كلامه لوزير الصحة.. لا تبني مستشفيات ولا تهدر ملايين الدولة في الأجهزة الطبية لا تتصور في التلفزيون وأنت تقص شريط افتتاح المستشفيات في القرى حتى لا نرى المرض بادياً على وجه الشباب.. بدلاً من هذا وذاك.. حاول أن تنقي مياه الشرب واجعل كل مواطن يبتعد عن مياه المرض والموت لذلك حرصت نساء القرية على أن تملأ جرارهن من مياه العداد لكن المرض كان قد نام في البطون واستقر الموت حصد أشرف وسمير والحسين وفوزي وجميل وصبري وعلاء شباب مثل الورد عرفتهم عن قرب ولكن المرض حصدهم في عز الشباب فأصبحت النساء أرامل ثكلى بلا رجال وكأن هذا المرض حرباً تبيد الشباب مثل حرب أمريكا في العراق انسلخ من الصغيرة قليلاً لمرض ألم بي فتركتني هي لاهيه مع أصدقائها فهي تسير بمفردها وتذهب معهم إلى الدكان تشتري الشمعدان واللبان وتصبح جيوبها منتفخة وإذا ما حاول أحدهم أن يتسول منها لبانه واحدة صرخت مهددة إياه بأبيها الذي سيعود من السنبلاوين ليعذبهم..كانت تفرح كلما جاء مولود في الدار وتجلس إليه وتحمله على حجرها وتضحك والنساء يقلن لها.. قولي لماما تجيب لك عيل يا سهام وترد سهام في غيظ لا.. ماما مش هاتجيب حد.. أموته لكن يبدو أن هناك شيئاً في الطريق إليها كي لا يزداد دلالها وتتأجج شقاوتها لقد باتت تتحكم وتأمر وتغضب والويل كل الويل لمن يقترب من لعبها.. وتيقنت أن الحمل الثاني أصبح واقعاً فنهضت من رقادي لأهتم بشئون البيت والزوج والصغيرة التي أصبحت عصبية إلى أقصى درجة وكأنها تشعر بأن هناك شريكاً في الطريق إليها وقد استطاعت النسوة في الدار أن يجعلنها تشعر بالغيرة فيقلن لها في تحدٍ.. ماما هتجيب لك ولد يضربك ويأدبك.. لم تكن تدري للكلمات أي معنى سوى أنها تسألني ماما إنت هاتجيبي ولد.. فأقول لها الله أعلم ولد ولا بنت فتقول في عصبية مش عايزه صبيان أنا عايزه بنت ألعب معها كانت أمه نجيبه تشتاق لذكر وكذلك الزوج الذي عاد إليه الأمل مرفرفاً بجناحين من تفاؤل قائلاً في فرحة.. الله حي التاني جي سألته في لحظة دلال.. إنت عايز ولد أليس كذلك.. قال في لهفة.. يا ريت.. لم أحتمل أن ينمو في صدره أملاً سرعان يموت لو جاءت بنت وما أتعس تلك اللحظات على نفسه فالولد هنا في القرية يعني أشياء كثيرة لكن ما باليد حيلة ورغم إعلانات التلفزيون التي تنادي.. البنت زي الولد.. ورغم أن سعاد حسني غنت في مسلسل هو وهي للكاتبة الكبيرة سناء البيسي "هو وهي" إلا أن النظرة لازالت كما هي من ألف عام البنت مطمع والولد حامي القبيلة عموماً لن أتعجل الأيام ولتحمل لي ما تريد إني لا أستطيع أن أوفى الله حقه ومثلي لابد أن تشكر النعمة ولم لا..؟!! وبعد السنوات العجاف تأتيني الأحلام ترفل في أثواب البنات فهل أتمرد عليها..تمر شهور الحمل مسرعة كسرعة البرق فسهام تلتهم الوقت كله بشقاوتها وأسئلتها المحيرة والتي أشعر معها بالملل أحياناً ها هي الولادة تنذرني فانتظر حتى يأتيني المخاض الحقيقي.. الطلق يمزق أوصالي أصبح يعتريني ألم كاد يزهق روحي جنيني يصرخ مستعيناً وأنا معه أستغيث يأتي الطبيب وفي الغيبوبة تحملني ملائكة الأطفال.. لا تتركني إلا حين يشق سمائي قمر آخر هو أجمل من كل أقمار الدنيا.. ونظرت إليها في المهد كانت تبتسم وتمد يديها وتنادي ملائكة الرحمة قمر آخر أسميته "رفيدة" شعر حالك وبياض لولي الملمس واللون وفم مرسوم مثل الوردة.. حزنت أمه نجيبه ونامت في فرشتها وحين نادوها كي ترى ما أنجبته الأبله قالت في حده دعوها تأكلها لقد مللت من هذه اللعبة.. جاءت "وزة" كعادتها تملأ كل أواني البيت زهور وتعلق فيها ستائر في لون الفضة وفوق كراسي الشقة جاءت بمفارش موشومة بالقصب والرقة ونادت كل الأطفال وأعطت كل طفل شيكولاته وهريسة وشمعة وقالت للأطفال غنوا يا أولاد..وسهام جلست بمودة حملت ما سموه "رفيده".. ولأن سهام تعشق أكل الحلوى وضعوا في لفائف الوليدة قروش من فضة وحلوى حملتها سهام وكلما وجدت شيئاً صرخت أختي تعطيني قروشاً يا ماما من أين تجئ بالحلوى..؟!! قلت تحبك يا سهام جاءت تلعب معكي من اليوم ظلي بجوار أختك في الشقة..وسهام كانت لماحة عرفت أن المولودة تضع ملابسها في دولاب معها وتراني كثيراً أرضعها تصمت قهراً أحياناً.. تستسلم أحياناً أخرى ومرات تضربها.. تأمرها بأن تترك ماما تنام فماما تعبت وحين تتعب ماما تثور تزداد حدتها وتقول لسهام.. أنت كبرت دعك من الشقاوة وهيا احملي أختك عني قليلاً فرفيدة تناديك وترد سهام في حدة.. سبيها تعيط كل ولاد الدار بيعيطوا ما حدش بيشلهم إشمعنى هيه مع إنهم صبيان وهي بنت وإيه يعني لما تموت... أمه نجيبه بتقول موتها أحسن..سمعت كلام البنت فانتابتني رعشة وقشعريرة وتحجر اللبن في الصدر المرهق وعادت دمعتي مرة أخرى تنهمر فوق خدي وتساءلت هل كتب علي الحزن الأبدي.. أنجبت وكأني ما أنجبت.. ما هذا المجتمع الملحد..؟!! أي دين يعطي الحق للبشر في أن يكرهوا ما ينجبون.. وإذ المولودة سئلت بأي ذنب قتلت بكيت بحرقة وألم وقلت في نفسي هل ألد مرة ثالثة..؟؟!! لا أدري..؟!!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق