ولأني قارئة جيدة أرتاد صفحات الكتب الثقافية والطبية استطعت أن أتعرف على عالم المرأة الملئ بالسحر والأسرار وأخذتني الفرحة في أشهر حملي الأخيرة॥أن أستعد لاستقبال المولود ولم يكن عام1986م قد اخترع المنظار الذي يحدد نوع الجنين॥ اشترت "وزة" زوجة أبي الحنون العديد من مستلزمات الوليد من أحزمة وأقمشة وملابس داخلية وخارجية وصابون بريحة وسكر وخلافه॥كنت أعلم موعد ولادتي باليوم وكنت على إيمان بأن الله سوف يعوضني خيراً كان قلبي يتوق إلى المدرسة ويرفرف حول مكتبتي، يسلم على كل كتاب فيها وعلى كل تلميذ يسأل عني...مر اليوم الذي يسبق الولادة هادئاً لم أشعر فيه بأي حركة فعرفت أن الموعد قد حان ظللت في فراشي حتى منتصف الليل بعدها استيقظت كأني أتقلب فوق الجمر بسرعة نادي زوجي أمه نجيبه التي جاءت تنكفي على السلالم وخلفها كل نساء وأطفال الدار صغيراً وكبيراً جاءت ووفي يدها خالة "نزيهة" الداية قلت لا.. إلا الداية.. أريد الطبيب محمود عباس الذي كان يتابعني أثناء الحمل.. "أمه نجيبه" تصر على أن البكرية ميلادها صعب لكن الصبر مع خالة نزيهة سوف يأتي الفرج لم أشاء أن أكسر بخاطرها في ليلة مثل هذه أنتظرها وهي تدعو الله أن يحقق الأماني جلست خالة نزيهه تتفحصني ولحسن حظي قالت في خوف.. لا يا نجيه دي قافلة خالص عايزه حكيم.. صرخت أمه نجيبه يا خيبه يا ختي الحالة مستعصية للدرجة دي.. هاتو عربية وخدوها على السنبلاوين حالاً وجاءت السيارة تحملني بين صراخي وأملي وأحلامي في أن أرى وليدي الذي عايشني وعايشته تسعة أشهر كاملة يحدثني وأحدثه وأغني له أحياناً وأضحك من أجله في أحيان كثيرة حين كان يتعافر في سعادة ويلكزني في جنبي فأطير فرحاً لأنه بخير يلعب يمتطي حصان السعادة ويجوب أرجاء كياني كله.. ظللت عند الطبيب ليلتين كاملتين بين الألم والصراخ والخلاص أذن فجر ليلة الأول من إبريل فرحت في الغيبوبة وجاءني في الحلم من يخبرني بأني حملي كاذب فلقد ولد في أول إبريل। كذبة هل هذا الحلم كان كذبة لا أدري بين دموعي والأشياء المختلفة في منامي وأحلامي حالة غريبة أحياها لأول مرة لم أسمع صوت الوليد لعله يكون قد مات.. لم أشعر بأن الوعي يعود وإدراكي يشعر لكن بين همهمات المخدر سمعت الطبيب يقول.. ماذا تسميها من اسمي من..؟؟ تسمين ابنتك..؟؟ ابنه هل ولدت ابنه..؟؟ نعم ابنه هي مش حلوه.. لكن نقول الحمد لله.. مش حلوه يعني إيه مش حلوه.. المهم صحتها سلامتها هي التي سترجع لي كرامتي الضائعة وأحلامي المفقودة في أن أصبح أماً.. قلت سأسميها "سهام" لتكون سهاماً قوية أطلقها في قلوب الأعادي..خارج غرفة العمليات وفوق سريري استيقظت لأرى وليدتي.. ياااااه إنها أجمل مخلوقة رأيتها في حياتي خنفسة شافت بنتها على الحيط دي لو ليه ومتعلقة في الخيط.. سمعتها أمه نجيبه تسخر لأنها بنت قلت الحمد لله عجباني مش عايزه حاجة من الدنيا إلا هيه..أهي عندك اشبعي بيها.. صومتينا وفطرطينا على بصلة.. كنت فكراها دكر طلعت نتايه جتنا خيبة في حظنا الأسود..لم أعلق وابتلعت دموعي وحملت وليدي وتناسيت الكون من حولي وسمعتها تحدثني قائلة.. ولا تغضبي أبد يا ماما سوف أكون أملك الذي انتظرتيه طويلاً..غادرت المستشفى وجاءت "وزة" تحمل فرحة الميلاد وتفتح النوافذ والأبواب وتطلق الأغاني من التسجيل وتنشر غسيل المولودة لتفرح القرية كلها وتزغرد العصافير فوق شجر الليمون.. حتى الدجاج مسرور فالديك يؤذن اليوم الله أكبر.. الله أكبر.. جاءت مولودة بتنقط سكر والدار مليانه حلاوة وقراقيش.. وريحتها كمان مسك وعنبر جاء أهل القرية في تتابع جميل وشعرت أن العيد الصغير والكبير دقا بابي الاثنان معاً وزينت القلة بأساوري وعقودي وإكسسواري وألبستها فستنان صغير مزركشاً وربطها بإيشارب أحمر فخرجت "سهام" تعشق اللون الأحمر..ملأت ألف كيس بالشمع والشيكولاته والسوداني وفرقت علي أطفال الدار وعلى كل الأطفال في القرية وجلس أبي وإخوتي الصبيان يقرأون القرآن ويقيمون الذكر داعيين في أن يجعل المولودة خيراً وبركة على أهل الدار.. صفق الصغار وغنت النسوة مرددين اللهم صلي وسلم وبارك على الطلعة الحمدية وأمنن علينا بالعفو وحسن الختام..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق